فصل: 1859- باب ومن سورة القمر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1854- باب ومن سورة الحجرات

ثماني عشرة آية وهي مدنية

بسم الله الرحمن الرحيم 3386- حدثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، حدثنا مُؤَمّلُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا نَافِعُ بنُ عُمَر بنَ جَمِيلٍ الْجُمَحِيّ قَالَ‏:‏ حدثنا ابنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ ‏"‏حدثني عَبْدُ الله بنُ الزّبَيْرِ أَنّ الأَقْرَعَ بنَ حَابِسٍ قَدِمَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ الله اسْتَعْمِلْهُ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ عُمَرُ لاَ تَسْتَعْمِلْهُ يَا رَسُولَ الله، فَتَكَلّمَا عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى ارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمَا، فقَال أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ ما أَرَدْتَ إلاّ خِلاَفِي‏.‏ فقال عُمَرُ مَا أرَدْتُ خِلافكَ‏.‏ قَالَ فَنَزَلتْ هَذِهِ الاَيَةُ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبيّ‏}‏ قَالَ وَكَان عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلّمَ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْمَعْ كلاَمَهُ حَتّى يَسْتَفْهِمَهُ قَالَ وَمَا ذَكَرَ ابنُ الزّبَيْرِ جَدّهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ‏.‏ وقَد روى بَعْضُهُمْ عَن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ مُرْسلاً وَلَمْ يَذْكُرْ فيهِ عَن عَبدِ الله بنِ الزّبَيْرِ‏.‏

3387- حدثنا أَبُو عُمّارٍ الْحُسيْنُ بنُ حرَيْثٍ حدثنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عَن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عَن أَبِي إسْحَاقَ عَن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ في قَوْلِهِ تَعَالى ‏{‏إنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أكثرهم لا يعقلون‏}‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏فَقَامَ رَجُلٌ‏.‏ فَقَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إنّ حَمْدِي زَيْنٌ وإِنّ ذَمّيَ شَيْنٌ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذَاكَ الله عَزّ وَجَلّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ‏.‏

3388- حدثنا عَبْدُ الله بنِ إسْحَاقَ الْجَوْهَريّ البَصْرِيّ، أخبرنا أبُو زَيْدٍ صَاحِبُ الهرَوِيّ عَن شعْبَةَ عنْ دَاودَ بنِ أبي هِنْدٍ قَالَ سَمِعْتُ الشّعْبيّ يُحَدّثُ عَن أَبي جبيرَةَ بنِ الضّحّاكِ‏.‏ قَالَ كَانَ الرّجُلُ مِنّا يَكُونُ لَهُ الاْسمَانِ والثّلاَثَةُ فيُدْعَى بِبَعْضِهَا فَعَسَى أَنْ يَكْرَهَ‏.‏ قَالَ فنَزَلت هَذِهِ الاَيَةُ ‏{‏وَلاَ تنَابَزُوا بالأَلْقَابِ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وأَبُو جبيرَةَ بنُ الضّحّاكِ هُو أَخُو ثابِتِ بنِ الضّحّاكِ بن خليفة الأَنْصَارِيّ وأبو زيد سعيد بن الربيع صاحب الهروي بصري ثقة‏.‏

3389- حدثنا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بنُ خَلَفٍ حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عَن دَاودَ بن أَبِي هِنْدٍ عَن الشّعْبِيّ عَن أَبي جبيرَةَ بنِ الضّحّاكِ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3390- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ عَن المُسْتَمِر بنِ الرّيّانِ عَن أَبِي نَضْرَةَ قَال ‏"‏قَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيّ ‏{‏واعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ في كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتّمْ‏}‏ قَالَ هَذَا نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم يُوحَى إِلَيْهِ‏.‏ وخِيَارُ أَئِمّتِكُمْ لَوْ أَطَاعَهُمْ في كَثِيرٍ مِنَ الأَمْر لَعنتُوا فَكَيْفَ بِكُمْ اليَوْمَ‏؟‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ‏.‏ قَالَ عَلِيّ بنُ المَدِيِنيّ سَأَلْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدٍ القَطّانَ عَن المُسْتَمِر بنِ الرّيّانِ فَقَالَ ثِقَةٌ‏.‏

3391- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ دِينَارٍ عَن ابنِ عُمَرَ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ ‏"‏فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّ الله قَد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِيّةَ الجَاهِلِيّةِ وتَعَاظُمَهَا بَآبَائِهَا، فالنّاسُ رَجُلاَنِ‏:‏ رَجُلٌ بَرّ تَقِيّ كَرِيمٌ عَلَى الله وَفَاجِرٌ شَقِيّ هَيّنٌ عَلَى الله‏.‏ وَالنّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ الله آدَمَ مِنَ التّرَابِ قَالَ الله‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا النّاسُ إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنّ الله عَليمٌ خَبِيرٌ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عَن ابنِ عُمَرَ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وعبد الله بنُ جَعْفَرٍ يُضَعّفُ‏.‏ ضَعّفَه يَحْيَى بنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وعبد الله بن جعفر هُو وَالِدُ عَلِيّ بنِ المدِينيّ‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وعَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ‏.‏

3392- حدثنا الفَضْلُ بنُ سهلٍ الأعْرَجُ البَغْدَادِيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا‏:‏ أخبرنا يُونُسُ بنُ مُحّمدٍ عَن سَلاّمِ بنِ أَبِي مُطِيعٍ عَن قَتَادَةَ عَن الحَسَنِ عَن سَمُرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الحَسَبُ المَالُ، وَالكَرَمُ التّقْوَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ سَلاّمِ بن أَبِي مُطِيعٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو بكر يا رسول الله استعمله‏)‏ أي الأقرع ‏(‏فقال عمر لا تستعمله‏)‏ وفي رواية البخاري من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير فقال أبو بكر‏:‏ أمر القعقاع بن معبد‏.‏ وقال عمر‏:‏ بل أمر الأقرع بن حابس‏.‏ ورواية البخاري أثبت من رواية الترمذي هذه لأن في سندها مؤمل بن إسماعيل وهو صدوق سيء الحفظ ‏(‏ما أردت إلا خلافي‏)‏ أي ليس مقصودك إلا مخالفة قولي ‏(‏وكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ فكان عمر بعد ذلك إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه ‏(‏قال وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر‏)‏ يعني أن ابن الزبير ذكر عن عمر أنه كان بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه إلخ ولم يذكر هذا عن جده أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وفي رواية البخاري في التفسير‏:‏ ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر‏.‏ قال القسطلاني يريد جده لأمه أسماء، وإطلاق الأب على الجد مشهور انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ وقد أخرج ابن المنذر من طريق محمد بن عمرو بن علقمة أن أبا بكر الصديق قال مثل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا مرسل وقد أخرجه الحاكم موصولاً من حديث أبي هريرة نحوه وأخرجه ابن مردويه من طريق طارق بن شهاب عن أبي بكر قال لما نزلت ‏{‏لا ترفعوا أصواتكم‏}‏ الاَية قال أبو بكر قلت يا رسول الله آليت ألا أكلمك إلا كأخي السرار انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب حسن‏)‏ وأصله في البخاري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا رسول الله إن حمدي زين وإن ذمي شين‏)‏ مقصود الرجل من هذا القول مدح نفسه وإظاهر عظمته يعني إن مدحت رجلاً فهو محمود ومزين وإن ذممت رجلاً فهو مذموم ومعيب ‏"‏ذاك الله عزّ وجلّ‏"‏ أي الذي حمده زين وذمه شين هو الله سبحانه وتعالى‏.‏ وروى الطبري من طريق معمر عن قتادة مثله مرسلاً وزاد‏:‏ فأنزل الله ‏{‏إن الذين ينادونك من رواء الحجرات‏}‏ الاَية ومن طريق الحسن نحوه وروى من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة قال حدثني الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا محمد أخرج إلينا فنزلت ‏(‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات‏)‏ الحديث ورواه أحمد من هذا الطريق بلفظ أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد يا محمد، وفي رواية‏:‏ يا رسول الله‏.‏ فلم يجبه فقال‏:‏ يا رسول الله إن حمدي لزين وإن ذمي لشين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن جرير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو زيد صاحب الهروي‏)‏ اسمه سعيد بن الربيع العامري الحرشي الهروي البصري كان يبيع الثياب الهروية ثقة من صغار التاسعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏ولا تنابزوا بالألقاب‏}‏ أي لا يدعو بعضكم بعضاً بلقب يكرهه، والتنابز التفاعل من النبز بالتسكين وهو المصدر والنبز بالتحريك اللقب مطلقاً أي حسناً كان أو قبيحاً، خص في العرف بالقبيح والجمع أنباز والألقاب جمع لقب وهو اسم غير الذي سمي به الإنسان والمراد لقب السوء، والتنابز بالألقاب أن يلقب بعضهم بعضاً والتداعي بها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأبو جبيرة‏)‏ بفتح الجيم وكسر الموحدة وسكون التحتية وبعدها راء مهملة وتاء تأنيث لا يعرف له اسم واختلف العلماء في صحبته فقال بعضهم له صحبة وقال بعضهم ليست له صحبة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن المستمر بن الريان‏)‏ بالتحتانية المشددة الإيادي الزهراني كنيته أبو عبد الله البصري ثقة عابد من السادسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏واعلموا أن فيكم رسول الله‏}‏ أي اعلموا أن بين أظهركم رسول الله فعظموه ووقروه وتأدبوا معه وانقادوا لأمره فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم ثم بين أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال‏:‏ ‏{‏لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم‏}‏ أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، والعنت هو التعب والجهد والإثم والهلاك ‏(‏قال‏)‏ أي أبو سعيد ‏(‏وخيار أئمتكم‏)‏ أي الصحابة رضي الله عنهم ‏(‏لو أطاعهم‏)‏ أي لو أطاع النبي صلى الله عليه وسلم إياهم ‏(‏لعنتوا‏)‏ أي خيار أئمتكم مع كونهم خيار الأئمة ‏(‏فكيف بكم اليوم‏)‏ الخطاب فيه وفي ما قبله للتابعين أي كيف يكون حالكم لو يقتدي بكم ويأخذ بآرائكم ويترك كتاب الله وسنة رسوله‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏إن الله قل أذهب عنكم‏"‏ أي أزال ورفع عنكم ‏"‏عبية الجاهلية‏"‏ بضم العين المهملة وكسرها وكسر الموحدة وفتح التحتية المشددتين أي نخوتها وكبرها وفخرها ‏"‏وتعاظمها‏"‏ أي تفاخرها ‏"‏فالناس رجلان‏"‏ أي نوعان ‏"‏رجل بر تقي‏"‏ أي فلا ينبغي له أن يتكبر على أحد لأن مدار الإيمان على الخاتمة والله سبحانه وتعالى أعلم بمن اتقى ‏"‏وفاجر‏"‏ أي كأفراد عاص ‏"‏شقي‏"‏ أي غير سعيد ‏"‏هين‏"‏ بفتح الهاء وكسر التحتية المشددة أي ذليل ‏"‏على الله‏"‏ أي عنده والذليل لا يناسبه التكبر ‏"‏والناس‏"‏ أي كلهم ‏"‏بنو آدم‏"‏ أي أولاده ‏"‏وخلق الله آدم من التراب‏"‏ أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر أو إذا كان الأصل واحداً فالكل إخوة فلا وجه للتكبر لأن بقية الأمور عارضة لا أصل لها حقيقة ‏{‏يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‏}‏ أي آدم وحواء ‏{‏وجعلناكم شعوباً‏}‏ جمع شعب بفتح الشين وهو أعلى طبقات النسب ‏{‏وقبائل‏}‏ هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها‏.‏ مثاله خزيمة شعب كنانة قبيلة، قريش عمارة بكسر العين، قصى بطن، هاشم فخذ، العباس فصيلة ‏{‏لتعارفوا‏}‏ حذف منه إحدى التائين أن ليعرف بعضكم بعضاً لا لتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى ‏{‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏}‏ أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب ‏{‏إن الله عليم‏}‏ بكم ‏{‏خبير‏}‏ ببواطنكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن أبي حاتم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في آخر الكتاب، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يونس بن محمد‏)‏ البغدادي المؤدب ‏(‏عن سلام‏)‏ بفتح السين وتشديد اللام ‏(‏بن أبي مطيع‏)‏ الخزاعي مولاهم البصري ثقة صاحب سنة في روايته عن قتادة ضعف من السابقة ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري قوله‏:‏ ‏"‏الحسب‏"‏ بفتحتين ‏"‏المال‏"‏ أي مال الدنيا الحاصل به الجاه غالباً ‏"‏والكرم‏"‏ أي الكلام المعتبر في العقبى المترتب عليه الإكرام بالدرجات العلى ‏"‏التقوى‏"‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أكرمكم عند الله الله أتقاكم‏}‏ قال الطيبي‏:‏ الحسب ما يعده من مآثره ومآثر آبائه والكرم الجمع بين أنواع الخير والشرف والفضائل وهذا بحسب اللغة، فردهما صلى الله عليه وسلم إلى ما هو المتعارف بين الناس وعند الله، أي ليس ذكر الحسب عند الناس للفقير حيث لا يوقر ولا يحتفل به بل كل الحسب عندهم من رزق الثروة ووقر في العيون، ومنه حديث عمر رضي الله عنه من حسب الرجل إنقاء ثوبيه أي إنه يوقر لذلك من حيث أنه دليل الثروة وذو الفضل والشرف عند الناس ولا يعد كريماً عند الله‏.‏ وإنما الكريم عنده من ارتدى برداء التقوى وأنشد‏:‏

كانت مودة سلمان له نسباًولم يكن بين نوح وابنه رحم

انتهى‏.‏ وقيل الحسب ما يعده الرجل من مفاخر آبائه، والكرم ضد اللؤم فقيل معناه الشيء الذي يكون به الرجل عظيم القدر عند الناس هو المال والشيء الذي يكون به عظيم القدر عند الله التقوى‏.‏ والافتخار بالاَباء ليس بشيء منهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم‏.‏

1855- باب ومن سورة ق

مكية إلا ‏{‏ولقد خلقنا السماوات‏}‏ الاَية فمدنية وهي خمس وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3393- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا يُونُسُ بنُ مُحمّدٍ، أخبرنا شَيْبَانُ عَن قَتَادَةَ، أخبرنا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَنّ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لا تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتّى يَضَعَ فِيهَا رَبّ العِزّةِ قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزّتِكَ وَيُرْوَى بَعْضُها إلى بَعْضٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ وَفِيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا شيبان‏)‏ بن عبدالرحمن النحوي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏لا تزال جهنم تقول هل من مزيد‏)‏ أي من زيادة، وفي رواية الشيخين‏:‏ لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد‏"‏ أي يطرح فيها من الكفار والفجار ‏"‏حتى يضع فيها رب العزة‏"‏ أي صاحب الغلبة والقوة والقدرة ‏"‏قدمه‏"‏ وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي في باب خلود أهل النار‏:‏ ‏"‏حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها‏"‏ وقد تقدم الكلام هناك مبسوطاً على وضعه تعالى قدمه في النار ‏"‏فتقول قط قط‏"‏ بفتح القاف وسكون الطاء‏.‏ قال الحافظ أي حسبي حسبي، وثبت بهذا التفسير عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة وقط بالتخفيف ساكناً ويجوز الكسر بغير إشباع ووقع في بعض النسخ يعني بعض نسخ البخاري عن أبي ذر قطي قطي بالإشباع وقطني بزيادة نون مشبعة، ووقع في حديث أبي سعيد ورواية سليمان التيمي بالدال بدل الطاء‏.‏ وهي لغة أيضاً وكلها بمعنى يكفي‏.‏ وقيل قط صوت جهنم والأول هو الصواب عند الجمهور انتهى ‏(‏ويزوى‏)‏ بصيغة المجهول أي يجمع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان ‏(‏وفيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يعني وفي الباب عن أبي هريرة أخرج حديثه الترمذي في الباب المذكور‏.‏

1856- باب ومن سورة الذاريات

مكية وهي ستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3394- حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ بن عيينة عَن سَلامٍ عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبِي النّجُودِ عَن أَبي وَائِلٍ عَن رَجُلٍ مِنْ رَبِيعَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَذكرْتُ عِنْدَهُ وَافِدَ عَادٍ‏.‏ فَقُلْتُ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِثْلَ وَافِدِ عَادٍ‏.‏ فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَا وَافِدُ عَادٍ‏؟‏ قال‏:‏ قَالَ فَقلت‏:‏ عَلَى الخَبِيرِ بها سَقَطْتَ‏.‏ إنّ عَاداً لَمّا أُقْحِطَتْ بَعَثَتْ قَيْلاً فَنَزَلَ عَلَى بَكْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ فَسَقَاهُ الْخَمرَ وَغَنّتْهُ الجَرَادَتانِ ثُمّ خَرَجَ يُرِيدُ جِبَالَ مَهْرَةَ فقَالَ اللّهُمّ إِنّي لَمْ آتِكَ لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيهِ وَلاَ لأَسِيرٍ فَأُفَادِيهِ فاسْقِ عَبْدَكَ مَا كُنْتَ مُسْقِيهِ واسْقِ مَعَهُ بَكْرَ بنَ مُعَاوِيَةَ- يَشْكُرْ لَهُ الْخَمْرَ الّذِي سَقَاهُ- فَرُفِعَ لَهُ سَحَابَاتٌ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ اخْتَرْ إِحْدَاهُنّ فاخْتَارَ السّوْدَاءَ مِنْهُنّ فَقِيلَ لَهُ خُذْهَا رَمَاداً رمْدداً، لا تَذَرُ مِنْ عَادٍ أَحَداً‏.‏ وَذَكَرَ أَنّهُ لَمْ يُرْسِلْ عَلَيْهِمْ مِنَ الرّيحِ إلاّ قَدْرَ هَذِهِ الحَلَقَةِ يَعْنِي حَلَقَةَ الخَاتِم، ثُمّ قَرَأَ ‏{‏إذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ العَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلا جعلته كالرميم‏}‏‏"‏ الاَية‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن سَلاّمٍ أَبي المُنْذِرِ عَنْ عَاصِمِ بنِ أَبي النّجُودِ عَن أَبِي وَائِلٍ عَن الحَارِثِ بنِ حَسّانَ وَيُقَالُ له‏:‏ الحارِثُ بنُ يَزِيدَ‏.‏

3395- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، حدثنا سَلاّمُ بنُ سُلَيْمَانَ النّحْوِيّ أَبُو المُنْذِرِ، حدثنا عَاصِمُ بنُ أَبِي النّجُودِ عَن أَبِي وَائِلٍ عَن الحَارِثِ بنِ يَزِيدَ البَكْرِيّ قالَ قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فإِذَا هُوَ غَاصّ بِالنّاسِ وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ تَخْفِقُ وَإِذَا بِلاَلٌ مُتَقَلّد السّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قلت‏:‏ مَا شَأْنُ النّاسِ‏؟‏ قالُوا يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بنَ العَاصِ وَجْهاً، فَذَكَرَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ نَحْواً مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ بِمَعْنَاهُ‏.‏ قال‏:‏ ويُقَالُ لَهُ الحَارِثُ بنُ حَسّانَ أيضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏عن سلام‏)‏ بفتح السين وتشديد اللام ابن سليمان المزني كنيته ابن المنذر القاري النحوي البصري نزيل الكوفة صدوق يهم قرأ على عاصم من السابعة ‏(‏عن أبي وائل‏)‏ اسمه شقيق بن سلمة الأسدي ‏(‏عن رجل من ربيعة‏)‏ هو الحارث بن يزيد البكري كما في الرواية الاَتية ‏(‏فذكرت‏)‏ بضم الذال المعجمة وكسر الكاف بالبناء للمفعول ‏(‏وافد عاد‏)‏ مفعول ثان لذكرت أي ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وافد عاد بحضرتي وعادهم قوم هود ‏(‏على الخبير بها سقطت‏)‏ أي على العارف بقصة وافد عاد وقعت وهو مثل سائر للعرب ‏(‏لما أقحطت‏)‏ بصيغة المجهول يقال أقحط القوم إذا انقطع عنهم المطر ‏(‏بعثت‏)‏ أي أرسلت عاد ‏(‏قيلا‏)‏ بفتح القاف وسكون التحتية وباللام قال في القاموس‏:‏ قيل وافد عاد‏.‏ وفي رواية أحمد فبعثوا وافداً لهم يقال له قيل ‏(‏فنزل على بكر بن معاوية‏)‏ اسم رجل كان في ذلك الزمان ‏(‏وغنته الجرادتان‏)‏ قال الجزري في النهاية هما مغنيتان كانتا بمكة في الزمن الأول مشهورتان بحسن الصوت والغناء، وفي رواية أحمد فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة ‏(‏ثم خرج‏)‏ أي قيل ‏(‏يريد جبال مهرة‏)‏ قال في القاموس‏:‏ مهرة بن حيدان حي ‏(‏فاسق عبدك‏)‏ يريد نفسه مع قومه ‏(‏سحابات‏)‏ أي قطعات من السحاب ‏(‏خذها رماداً رمدواً‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الرمدد بالكسر المتناهي في الاحتراق والدقة كما يقال‏:‏ ليل أليل ويوم أيوم إذا أرادوا المبالغة ‏(‏لا تذر من عاد أحداً‏)‏ أي لا تدعه حياً بل تهلكه، وفي رواية أحمد فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها خذها رماداً رمدداً لا تبقى من عاد أحداً ‏(‏وذكر‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ثم قرأ ‏{‏إذ أرسلنا عليهم‏}‏‏)‏ الاَية مع تفسيرها هكذا ‏(‏وفي عاد‏)‏ أي في إهلاكهم آية ‏{‏إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم‏}‏ هي التي لا خير فيها لأنها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهي الدبور ‏{‏ما تذر من شيء‏}‏ أي نفس أو مال ‏{‏أتت عليه إلا جعلته كالرميم‏}‏ أي كالمباني المتفتت‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فإذا هو غاص بالناس‏)‏ أي ممتلئ بهم‏.‏ قال في مختار الصحاح المنزل غاص بالقوم أي ممتلئ بهم ‏(‏وإذا رايات‏)‏ جمع راية وهي العلم ‏(‏سود‏)‏ جمع سوداء ‏(‏تخفق‏)‏ بفتح الفوقية وكسر الفاء وضمها‏.‏ قال في القاموس‏:‏ خفقت الراية تخفق وتخفق خفقاً وخفقاناً محركة اضطربت وتحركت ‏(‏وجهاً‏)‏ أي جانباً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فذكر الحديث بطوله نحواً من حديث سفيان بن عيينة‏)‏ أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه ‏(‏ويقال له الحارث بن حسان‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ الحارث بن حسان بن كلدة البكري الذهلي الربعي ويقال العامري ويقال حريث، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وسكن الكوفة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه أبو وائل وغيره‏.‏ قال وقع في رواية الترمذي عن رجل من ربيعة ثم علقه من وجه آخر فسماه الحارث بن حسان ثم ساقه من طريق أخرى فقال الحارث بن يزيد البكري ثم قال ويقال له الحارث بن حسان وصحح ابن عبد البر أن اسمه حريث، وقال البغوي كان يسكن البادية‏.‏

1857- باب ومن سورة الطور

مكية وهي تسع وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3396- حدثنا أَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ، حدثنا محمد بنُ فُضَيْلٍ عَن رِشْدِينَ بنِ كُرَيْب عَن أَبيهِ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إدْبَارُ النّجُومِ الرّكْعَتَانِ قَبْلَ الفَجْرِ وإدْبَارُ السّجُودِ الرّكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ محمّدِ بنِ فُضَيْلِ عَن رِشْدَين بن كُرَيْبٍ‏.‏ وسَأَلْتُ مُحمّدَ بنَ إسْمَاعيلَ عَنْ مُحمّدٍ ورِشْدِينَ ابْنَيْ كُرَيْبٍ أَيّهُمَا أَوْثَقُ‏؟‏ قال‏:‏ مَا أقَرَبَهُمَا، ومُحمّدٌ عِنْدِي أَرْجَحُ قال‏:‏ وسَأَلْتُ عَبْدَ الله بن عبْدِ الرّحْمَنِ عَن هَذَا فقالَ مَا أَقْرَبَهُمَا عندي ورَشْدِينُ بنُ كُرَيْبٍ أَرْجَحُهُمَا عِنْدِي‏.‏ قَالَ وَالقَوْلُ عندي ما قَالَ أَبُو مُحمّدٍ وَرِشْدِينُ أَرْجَحُ مِنْ مُحمّدٍ وَأُقَدّمُهُ وَقَدْ أَدْرَكَ رِشْدِينُ بنَ عَبّاسٍ وَرَآهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس قوله‏:‏ ‏"‏إدبار النجوم‏"‏ بكسر الهمزة ونصب الراء على الحكاية من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم‏}‏ ويجوز الرفع وعلى الوجهين هو مبتدأ خبره ‏"‏الركعتان‏"‏ وفي بعض النسخ الركعتين بالنصب على أنه بيان لقوله إدبار النجوم على الوجه الأول ‏"‏قبل الفجر‏"‏ أي فرضه والإدبار والدبور الذهاب يعني عقيب ذهاب النجوم وهو سنة الصبح ‏"‏وإدبار السجود‏"‏ بفتح الهمزة وكسرها قراءتان متواترتان في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وإدبار السجود‏}‏ قال الطيبي‏:‏ صلاة إدبار السجود وإدبار نصبه بسبح في التنزيل أوقعه مضافاً في الحديث على الحكاية انتهى والمراد بالسجود فريضة المغرب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم وصححه ابن مردويه وابن أبي حاتم ‏(‏ما أقر بهما‏)‏ صيغة تعجب ‏(‏ومحمد عندي أرجح‏)‏ ووافقه أبو حاتم فقال يكتب حديثه وهو أحب إلى من أخيه رشدين ‏(‏وسألت عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏قال‏)‏ أي أبو عيسى الترمذي ‏(‏ما قال أبو محمد‏)‏ هو كنيته عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ‏(‏وأقدمه‏)‏ أي أكبره‏.‏

1858- باب ومن سورة والنجم

مكية وهي ثنتان وستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3397- حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن مَالِكِ بنِ مِغْولٍ عَن طَلْحَةَ بنِ مُصَرّفٍ عَن مُرّةَ عَن عبد الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا بلَغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سِدْرَةَ المُنْتَهَى قَالَ‏:‏ انْتَهى إِلَيْهَا ما يَعْرُجُ مِنَ الأرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ‏.‏ فأَعْطَاهُ الله عِنْدَهَا ثَلاَثاً لَمْ يُعْطِهنّ نَبِيّا كانَ قَبْلَهُ‏:‏ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصّلاَةُ خَمْساً وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ وَغَفَرَ لاِمّتِهِ المُقْحِمَاتِ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بالله شَيْئاً‏.‏ قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ ‏{‏إِذْ يَغْشَى السّدْرَةَ ما يَغْشَى‏}‏ قالَ السّدْرَةُ في السّمَاءِ السّادِسَةِ‏.‏ قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ وَأَشَارَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ فأَرْعَدَهَا‏.‏ وَقَالَ غَيْرُ مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ‏.‏ إلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الخَلْقِ لاَ عِلْمِ لَهُمْ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3398- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا عَبّادُ بنُ العَوّامِ، حدثنا الشّيْبَانِيّ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ زِرّ بنَ حُبَيْشٍ عَن قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ ‏{‏فكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى‏}‏ فقَالَ أَخْبَرَني ابنُ مَسْعُودٍ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ وَلَهُ سِتّمَائَةِ جَنَاحٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ صحيحٌ‏.‏

3399- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عَن مُجَالِدٍ عَن الشّعْبِيّ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَقِيَ ابنُ عَبّاسٍ كَعْباً بِعَرَفَةَ فسَأَلَهُ عَن شَيْءٍ فَكَبّرَ حَتّى جَاوَبَتْهُ الجِبَالُ فقالَ ابنُ عَبّاسٍ‏:‏ إِنّا بَنُو هَاشِمٍ، فقالَ كَعْبٌ إِنّ الله قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلاَمَهُ بَيْنَ مُحمّدٍ وَمُوسَى فَكَلّمَ مُوسَى وَرَآهُ مُحَمّدٌ مَرّتَيْنِ، فقَالَ مَسْرُوقٌ‏:‏ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ هلْ رَأَى مُحمّدٌ رَبّهُ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ لَقَدْ تَكَلّمْتَ بِشَيْءٍ قَفّ لَهُ شَعْرِي، قُلْتُ رُوَيْداً ثُمّ قَرَأَتُ ‏{‏لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ الْكُبْرَى‏}‏ فقَالَتْ‏:‏ أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ‏؟‏ إِنّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنّ مُحمداً رَأَى رَبّهُ أَوْ كَتَمَ شَيْئاً مِمّا أُمِرَ بِهِ أَوْ يَعْلَمُ الْخَمسَ التّي قَالَ الله تَعَالَى ‏{‏إنّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ‏}‏ فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ وَلكِنّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَمْ يَرَهُ في صُورَتِهِ إلاّ مَرّتَيْنِ مَرّةً عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى ومَرّةً في جِيَادٍ لَهُ سِتّمَائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدّ الأُفُقَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رَوى دَاوُدُ بنُ أَبي هِنْدٍ عَن الشّعْبيّ عَن مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا الحَدِيثِ‏.‏ وحَديثُ دَاوُدَ أقْصَرُ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ‏.‏

3400- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَمْرِو بنِ نَبْهَانَ بنِ صَفْوَانَ البصري الثّقَفِيّ حدثنا يَحْيَى بنُ كَثِيرٍ العَنْبَرِيّ أبو غسان، أخبرنا سَلْمُ بنُ جَعْفَرٍ عَن الَحَكَمِ بنِ أَبَانٍ عَن عِكْرَمَةَ عَن ابن عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏رَأَى مُحمّدٌ رَبّهُ قُلْتُ أَلَيْسَ الله يَقُولُ ‏{‏لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُو يُدْرِكُ الأبْصَارَ‏}‏ قَالَ وَيْحَكَ ذَاكَ إِذَا تَجَلّى بِنُورِهِ الّذِي هُوَ نورُهُ وقال أُرِيَهُ مَرّتَيْنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ من هذا الوجه‏.‏

3401- حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأمَوِيّ أخبرنا أَبي أخبرنا مُحمّدُ بنُ عمرو عن أَبي سلَمَةَ عَنْ ابنَ عَبّاسٍ في قَوْلِ الله ‏{‏وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى‏}‏ ‏{‏فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أَوْحَى‏}‏ ‏{‏فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى‏}‏‏.‏ قالَ ابنُ عَبّاسٍ‏:‏ قَدْ رَآهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

3402- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا عبْدُ الرزّاقِ وَابنُ أَبي رِزْمَةَ وَأبُو نَعِيمٍ عَن إسْرَائِيلَ عَن سِمَاكِ بن حَرْبٍ عَن عِكْرِمَةَ عن ابن عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى‏}‏ قالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ‏.‏ قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

3403- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلانَ، حدثنا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بنُ هارُونَ عَن يزِيدَ بن إبْراهِيمَ التّسْتَري عَن قتَادَة عن عبدِ الله بنِ شَقيقٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ لأبي ذَرّ لَوْ أَدْرَكْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَسَأَلْتُهُ، فقالَ عَمّا كُنْتَ تَسْأَلُه‏؟‏ قلت‏:‏ كنت أسْأَلَهُ هَلْ رَأى مُحمّدٌ رَبّهُ‏؟‏ فقَالَ‏:‏ قَدْ سَأْلتُهُ فقَالَ‏:‏ نُورٌ أَنّي أرَاهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

3404- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بن موسى و ابنُ أَبي رِزْمَةَ عَن إسْرَائِيلَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ عنْ عَبْدِ الله ‏"‏‏{‏مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى‏}‏ قالَ رَأَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ في حُلّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلأَ مَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3405- حدثنا أَحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيّ أخبرنا أَبُو عَاصِمٍ عَن زَكَرِيّا بنِ إسْحَاقَ عَن عُمرو بنِ دِينَارٍ عَن عَطَاءٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ ‏{‏الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ إلاّ اللّمَمَ‏}‏‏.‏ قال‏:‏ قالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏"‏إِنْ تَغْفِرْ اللّهُمّ تَغْفِرْ جَمّا وأَيّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمّا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيّا بنِ إِسْحَاقَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن مرة‏)‏ هو ابن شراحيل الهمداني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي ليلة الإسراء ‏(‏سدرة المنتهى‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ السدر شجر النبق‏.‏ وسدرة المنتهى شجرة في أقصى الجنة إليها ينتهي علم الأولين والاَخرين ولا يتعداها ‏"‏قال انتهى ما يعرج من الأرض‏"‏ أي ما يصعد من الأعمال والأرواح‏.‏ وهذا قول ابن مسعود وضمير قال راجع إليه‏.‏ وفي رواية مسلم‏:‏ إليها ينتهي ما يعرج به الأرض فيقبض منها ‏"‏وما ينزل من فوق‏"‏ أي من الوحي والأحكام، وفي رواية مسلم‏:‏ وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها أي من الوحي والأحكام، وفي رواية مسلم‏:‏ وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ‏(‏فأعطاه الله عندها‏)‏ أي عند سدرة المنتهى ‏(‏خمساً‏)‏ أي خمس صلوات ‏(‏وأعطى خواتيم سورة البقرة‏)‏ أي من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏آمن الرسول‏}‏ إلى آخر السورة‏.‏ قيل معنى قوله أعطى خواتيم سورة البقرة أي أعطى إجابة دعواتها ‏(‏وغفر لأمته المقحمات‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات‏.‏ قال النووي هو بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء ومعناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها وتقحم الوقوع في المهالك ومعنى الكلام من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات‏.‏ والمراد والله أعلم بغفرانها أنه لا يخلد في النار بخلاف المشركين وليس المراد أنه لا يعذب أصلاً‏.‏ فقد تقررت نصوص الشرع وإجماع أهل السنة على إثبات بعض العصاة من الموحدين، ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصاً من الأمة أن يغفر لبعض الأمة المقحمات وهذا يظهر على مذهب من يقول إن لفظة من لا تقتضي العموم مطلقاً، وعلى مذهب من يقول لا تقتضيه في الإخبار وإن اقتضه في الأمر والنهي ويمكن تصحيحه على المذهب المختار وهو كونها للعموم مطلقاً لأنه قد قام دليل على إرادة الخصوص وهو ما ذكرناه من النصوص والإجماع انتهى ‏(‏قال‏:‏ السدرة في السماء السادسة‏)‏ قال النووي في شرح مسلم كذا هو في جميع الأصول السادسة وقد تقدم في الروايات الأخر من حديث أنس أنها فوق السماء السابعة‏.‏ قال القاضي كونها في السابعة هو الأصح وقول الأكثرين وهو الذي يقتضيه المعنى وتسميتها بالمنتهى‏.‏ قال النووي ويمكن أن يجمع بينهما فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة فقد علم أنها في نهاية من العظم ‏(‏قال سفيان‏)‏ أي في بيان ما يغشى ‏(‏فراش‏)‏ بفتح الفاء الطير الذي يلقى نفسه في ضوء السراج واحدتها فراشه ‏(‏فأرعدها‏)‏ أي حركها لعله حكى تحرك الفراش واضطرابها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الشيباني‏)‏ هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏فكان‏}‏ أي جبرئيل من النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏قاب‏}‏ أي قدر ‏{‏قوسين أو أدنى‏}‏ أي أقرب من ذلك‏.‏ زاد البخاري في رواية فأوحى إلى عبده ما أوحى ‏(‏فقال‏)‏ أي ذر بن حبيش ‏(‏رأى جبرئيل‏)‏ أي في صورته مرتين‏:‏ مرة بالأرض في الأفق الأعلى‏.‏ ومرة في السماء عند سدرة المنتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبرئيل كما ذهبت إلى ذلك عائشة‏.‏ والتقدير على رأيه فأوحى أي جبرئيل إلى عبده أي عبد الله محمد لأنه يرى أن الذي دنا فتدلى هو جبرئيل وأنه هو الذي أوحى إلى محمد‏.‏ وكلام أكثر المفسرين من السلف يدل على أن الذي أوحى هو الله أوحى إلى عبده محمد، ومنهم من قال إلى جبريل انتهى‏.‏ وقال ابن القيم في زاد المعاد‏:‏ أما قوله تعالى في سورة النجم‏:‏ ‏{‏ثم دنا فتدلى‏}‏ فهو غير الدنو والتدلي في قصة الإسراء فإن الذي دنا في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود والسياق يدل عليه فإنه قال ‏{‏علمه شديد القوى‏}‏ وهو جبريل ‏{‏ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى‏}‏، فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى وهو ذو المرة أي القوة وهو الذي استوى بالأفق الأعلى وهو الذي دنا فتدلى فكان من محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قدر قوسين أو أدنى‏}‏، فأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء فلذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه ولا تعرض في سورة النجم لذلك بل فيها أنه ‏{‏رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى‏}‏ وهذا هو جبريل رآه محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏عن مجالد‏)‏ هو ابن سعيد ‏(‏لقي ابن عباس كعباً‏)‏ هو كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ثقة من الثانية مخضرم كان من أهل اليمن فسكن الشام مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة ‏(‏فسأله‏)‏ أي كعباً ‏(‏فكبر‏)‏ أي كعب ‏(‏حتى جاوبته الجبال‏)‏ أي كبر تكبيرة مرتفعاً بها صوته حتى جاوبته الجبال بالصدى كأنه استعظم ما سأل عنه فكبر لذلك، ولعل ذلك السؤال رؤية الله تعالى كما سئلت عائشة رضي الله عنها فقف لذلك شعرها‏.‏ قاله الطيبي ‏(‏إنا بنو هاشم‏)‏ قال الطيبي هذا بعث له على التسكين من ذلك الغيظ والتفكر في الجواب يعني نحن أهل علم ومعرفة فلا نسأل عما يستبعد هذا الاستبعاد ولذلك فكر فأجاب بقوله إن الله قسم إلى آخره ‏(‏فكلم‏)‏ أي الله سبحانه وتعالى ‏(‏مرتين‏)‏ أي في الميقاتين ‏(‏ورآه محمد‏)‏ أي في المعراج ‏(‏مرتين‏)‏ كما يدل عليه قوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏، فهذا يدل على أن مذهب كعب أن الضمير في رآه إلى الله لا إلى جبريل بخلاف قول عائشة ‏(‏فدخلت على عائشة‏)‏ ظاهره أنه كان حاضراً في مجلس كعب وابن عباس رضي الله عنهما وسمع ما جرى بينهما ‏(‏قف له شعري‏)‏ أي قام من الفزع لما حصل عندها من عظمة الله وهيبته واعتقدته من تنزيهه واستحالة وقوع ذلك‏.‏ قال النضر بن شميل القف بفتح القاف وتشديد الفاء كالقشعريرة وأصله التقبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر كذلك ‏(‏قلت رويداً‏)‏ أي امهلي ولا تعجلي ‏(‏ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أي قرأت الاَيات التي خاتمتها هذه الاَية كما تشهد له الرواية الأخرى أعني قوله قلت لعائشة فأين قوله ثم دنا انتهى‏.‏ قلت‏:‏ في الرواية التي أخرجها الترمذي في تفسير سورة الأنعام، فقلت يا أم المؤمنين انظريني ولا تعجليني أليس الله تعالى يقول ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏‏.‏ و‏{‏قد رآه بالأفق المبين‏}‏، فالأمر كما قال الطيبي ‏(‏أين يذهب بك‏)‏ بالبناء للمفعول أو بالبناء للفاعل أي أين يذهب بك قوله تعالى الذي قرأت‏؟‏ وفي المشكاة أين تذهب بك‏.‏ قال الطيبي أي أخطأت فيما فهمت من معنى الاَية وذهبت إليه، فإسناد الإذهاب إلى الاَية مجاز ‏(‏إنما هو‏)‏ أي الاَية الكبرى وذكر الضمير باعتبار الخبر ‏(‏فقد أعظم الفرية‏)‏ بكسر الفاء أي الكذب ‏(‏في جياد‏)‏ موضع بأسفل مكة قاله في المجمع، ووقع في المشكاة في أجياد بفتح الهمزة وسكون الجيم‏.‏ قال في النهاية أجياد موضع بأسفل مكة معروف من شعابها ‏(‏قد سد الأفق‏)‏ أي ملأ أطراف السماء وحديث عائشة هذا أخرجه الشيخان مع زيادة واختلاف وفي روايتهما قال قلت لعائشة فأين قوله ثم ‏{‏دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى‏}‏ قالت ذاك جبريل عليه السلام كان يأتيه في صورة الرجل وأنه أتاه بهذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق ‏(‏وقد روى داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة إلخ‏)‏ أخرج هذه الرواية الترمذي في تفسير سورة الأنعام وتقدم الكلام هناك مبسوطاً في أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء أم لا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سلم بن جعفر‏)‏ بفتح السين وسكون اللام البكراوي أبو جعفر الأعمى‏.‏ قال ابن المديني من أهل اليمن صدوق تكلم فيه الأزدي بغير حجة من الثامنة ‏(‏عن الحكم بن أبان‏)‏ العدني أبي عيسى صدوق عابد له أوهام من السادسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏رأى محمد ربه‏)‏ كذا أطلق الرؤية في هذه الرواية وفي الرواية الاَتية رآه بقلبه ‏(‏ويحك‏)‏ قال في النهاية‏:‏ ويح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر وقد ترفع وتضاف ولا تضاف يقال ويح زيد وويحاً له وويح له ‏(‏ذاك‏)‏ أي عدم إدراك الأبصار إياه سبحانه وتعالى ليس مطلقاً بل ‏(‏إذا تجلى‏)‏ أي ظهر ‏(‏بنوره الذي هو نوره‏)‏ فحينئذٍ لا تدركه الأبصار، وحاصله أن المراد بالاَية نفي الإحاطة به عند رؤياه لا نفي أصل رؤياه، والظاهر أن ابن عباس أخذ هذا من قوله تعالى ‏{‏فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقاً‏}‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن عمرو‏)‏ هو ابن علقمة ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ بن عبد الرحمن بن عوف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس في قول الله ولقد رآه نزلة أخرى إلى قوله قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا روى الترمذي هذا الحديث بهذا اللفظ ورواه ابن جرير في تفسيره بعين سند الترمذي هكذا عن ابن عباس في قول الله‏:‏ ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى‏}‏ قال ‏{‏دنا ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى‏}‏‏.‏ قال قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال رآه بقلبه‏)‏ أي قال ابن عباس رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه‏.‏ قال الواحدي‏:‏ وكذا قال أبو ذر وإبراهيم التيمي رآه بقلبه‏.‏ قال وعلى هذا رأى ربه بقلبه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصرة في فؤاده أو خلق لفؤاده بصراً حتى رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين انتهى‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة أي بالفؤاد فيجب حمل مطلقها على مقيدها، قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن جرير في تفسيره وأخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس قال‏:‏ ‏{‏ما كذب الفؤاد ما رأى‏}‏ ‏{‏ولقد رآه نزلة أخرى‏}‏‏.‏ قال رآه بفؤاده مرتين‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فقال نور أني أراه‏)‏ وفي رواية لمسلم فقال ‏"‏رأيت نوراً‏"‏‏.‏ قال النووي قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏نور أني أراه‏"‏ هو بتنوين نور وبفتح الهمزة في أنى وتشديد النون المفتوحة وأراه بفتح الهمزة، هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول والروايات ومعناه حجابه نور فكيف أراه‏.‏ قال الإمام أبو عبد الله المازري‏:‏ الضمير في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى ومعناه أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه، وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏رأيت نوراً‏"‏ معناه رأيت النور فحسب ولم أر غيره قال وروى أخبرنا ‏"‏نور أنى أراه‏"‏‏.‏ يعني بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء، ويحتمل أن يكون معناه راجعاً إلى ما قلناه أي خالق النور المانع من رؤيته فيكون من صفات الأفعال‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ هذه الرواية لم تقع إلينا ولا رأيتها في شيء من الأصول‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

‏(‏أخبرنا عبيدالله بن أبي رزمة‏)‏ كذا في النسخة الأحمدية قال في هامشها كذا في نسخ وفي نسخة وابن أبي رزمه ولا يوجد في التقريب عبيد الله بن أبي رزمة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ النسخة التي فيها وابن أبي رزمة بزيادة الواو هي الصحيحة وأما النسخ التي فيها عبيد الله بن أبي رزمة يحذف الواو فهي غلط لأنه ليس في الكتب الستة رأو اسمه عبيد الله بن أبي رزمة، وعبيد الله هذا هو عبيد الله بن موسى العبسي وابن أبي رزمة هو عبد العزيز بن أبي رزمة وهما من شيوخ عبد بن حميد وأصحاب إسرائيل بن يونس ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ السبيعي ‏(‏عن عبد الرحمن بن يزيد‏)‏ بن قيس النخعي ‏(‏عن عبد الله‏)‏ بن مسعود‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل في حلة من رفرف‏)‏ أي ديباج دقيق حسنت صنعته جمعه رفارف أو هو جمع رفرفة وهذه هي الرؤية الأولى وكانت في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبرئيل عليه السلام أول مرة فأوحى الله إليه صدر سورة ‏{‏اقرأ‏}‏ ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم فيها مراراً ليتردى من رؤوس الجبال فكلما هم بذلك ناداه جبرئيل من الهواء‏:‏ يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه وكلما طال عليه الأمر عاد لمثلها حتى تبدي له جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سد عظم خلقه الأفق ما اقترب منه وأوحى إليه عن الله ما أمره به فعرف عند ذلك عظمة الملك الذي جاءه بالرسالة وجلالة قدره وعلو مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن جرير في تفسيره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن عثمان أبو عثمان البصري‏)‏ يلقب أبا الجوفاء بالجيم والزاي ثقة من الحادية عشرة ‏(‏حدثنا أبو عاصم‏)‏ اسمه الضحاك النبيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏الذي يجتنبون كبائر الإثم والفواحش‏}‏ الكبائر كل ذنب توعد الله عليه بالنار أو ما عين له حداً أو ذم فاعله ذماً شديداً‏.‏ والفواحش جمع فاحشة وهي كل ذنب فيه وعيد أو مختص بالزنا ‏{‏إلا اللمم‏}‏ بفتحتين أي الصغائر فإنهم لا يقدرون أي يجتنبوها‏.‏ قال الطيبي الاستثناء منقطع فإن اللمم ما قل وما صغر من الذنوب ومنه قوله ألم بالمكان إذا قل ليلة فيه ويجوز أن يكون قوله اللمم صفة وإلا بمعنى غير، فقيل هو النظرة والغمزة والقبلة، وقيل الخطرة من الذنب، وقيل كل ذنب لم يذكر الله فيه حداً ولا عذاباً ‏"‏إن تغفر اللهم تغفر جما‏"‏ بفتح الجيم وتشديد الميم أي كثيراً كبيراً ‏"‏وأي عبد لك لا ألماً‏"‏ فعل ماض مفرد والألف للإطلاق أي لم يلم بمعصية يقال لم أي نزل وألم إذا فعل اللمم والبيت لأمية بن الصلت أنشده النبي صلى الله عليه وسلم أي من شأنك غفران كثير من ذنوب عظام وأما الجرائم الصغيرة فلا تنسب إليك لأن أحداً لا يخلو عنها وأنها مكفرة باجتناب الكبائر وإن تغفر ليس للشك بل للتعليل نحو إن كنت سلطاناً فاعط الجزيل أي لأجل أنك غفار اغفر جماً‏.‏ واختلف أقوال أهل العلم في تفسير اللمم فالجمهور على أنه صغائر الذنوب وقيل هو ما كان دون الزنا من القبلة والغمزة والنظرة وكالكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر وقيل غير ذلك، والظاهر الراجح هو قول الجمهور والله تعالى أعلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه ابن جرير‏.‏

1859- باب ومن سورة القمر

مكية إلا ‏{‏سيهزم الجمع‏}‏ الاَية وهي خمس وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3406- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أَخبرنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عَن الأعْمَشِ عَن إبْرَاهِيمَ عَن أَبي مَعْمَرٍ عَن ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمنًى فَانْشَقّ القَمَرُ فِلْقَتَيْنِ‏:‏ فِلْقَةً مِنْ وَرَاءِ الجَبَلِ وفِلْقَةً دُونَهُ فقَالَ لَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اشْهَدُوا‏.‏ يَعْنِي ‏{‏اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقّ القَمَرُ‏}‏‏"‏‏.‏

قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3407- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏سَأَلَ أَهْلُ مَكّةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم آيَةً فانَشَقّ القَمَرُ بِمَكّةَ مَرّتَيْنِ فَنَزَلَتْ ‏{‏اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقّ القَمَرُ‏}‏‏.‏ إلى قَوْلِهِ ‏{‏سِحْرٌ مُسْتَمِرّ‏}‏ يَقُولُ ذَاهِبٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3408- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن ابنِ أَبي نَجِيحٍ عَن مجَاهِدٍ عَن أَبي مَعْمَرٍ عَن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ ‏"‏انْشَقّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ لَنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ اشْهَدُوا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3409- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أَبُو دَاوُدَ عَن شُعَبَةَ عنْ الأَعْمَشِ عَن مُجَاهِدٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ ‏"‏انفَلَقَ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اشْهَدُوا‏"‏ قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3410- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ كَثِيرٍ عَن حُصَيْنٍ عَن مُحمّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عَن أَبِيهِ قَالَ‏:‏ ‏"‏انْشَقّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ عَلَى هَذَا الجَبَلِ وعَلَى هذا الجَبلِ فقَالوا‏:‏ سَحَرَنَا مُحّمدٌ فقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَئِنْ كانَ سَحَرَنَا فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النّاسَ كلّهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَد رَوَى بَعْضُهُم هَذَا الحَدِيثَ عن حُصَيْنٍ عَن جُبَيْرِ بنِ مُحمّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ نَحْوَهُ‏.‏

3411- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو بَكْرٍ بُنْدارٌ قَالاَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَن سُفْيَانَ عَن زِيَادِ بنِ إسْمَاعِيلَ عَن مُحمدِ بن عَبّادِ بنِ جَعْفَرٍ المَخْزُومِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في القَدَرِ فَنَزَلَتْ ‏{‏يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِم ذُوقُوا مَسّ سَقَر إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏عن أبي معمر‏)‏ اسمه عبدالله بن سخبرة الأزدي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى فانشق القمر فلقتين‏)‏ بكسر الفاء وسيكون اللام أي قطعتين وفي حديث أنس الاَتي‏:‏ فانشق القمر بمكة وهذا لا ينافي قول ابن مسعود‏:‏ بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى فانشق القمر لأن أنساً لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فمنًى من جملة مكة، وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود قال‏:‏ انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة، فوضح أن مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة ‏(‏فلقة من وراء الجبل‏)‏ أي جبل حراء وفي رواية ‏"‏فلقة فوق الجبل وفلقة دونه‏"‏ والمراد أنهما تباينتا فإحداهما إلى جهة العلو والأخرى إلى السفل ‏"‏اشهدوا‏"‏ أي على نبوتي أو معجزتي من الشهادة وقيل معناه احضروا وانظروا من الشهود ‏(‏يعني ‏{‏اقتربت الساعة وانشق القمر‏}‏‏)‏ أي قربت القيامة وانفلق القمر فلقتين، والمعنى أن هذا الانشقاق الذي هو معجزة من النبي صلى الله عليه وسلم هو المراد في هذه الاَية لا أنه يقع يوم القيامة وقد تقدم الكلام في انشقاق القمر مبسوطاً في باب انشقاق القمر من أبواب الفتن‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا من مراسيل الصحابة لأن أنساً لم يدرك هذه القصة، وقد جاءت القصة من حديث ابن عباس وهو أيضاً ممن لم يشاهدها ومن حديث ابن مسعود وجبير بن مطعم وحذيفة وهؤلاء شاهدوها ‏(‏آية‏)‏ أي علامة دالة على نبوته ورسالته ‏(‏فانشق القمر بمكة مرتين‏)‏ ووقع في رواية البخاري فأراهم القمر شقتين‏.‏ قال الحافظ ما ملخصه‏:‏ وفي رواية لمسلم مرتين، وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أيضاً، وكذلك أخرجه الإمامان أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ فرقتين‏.‏ قال البيهقي قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه مرتين‏.‏ قال الحافظ لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة ولم يختلف على شعبة وهو أحفظهم، ولم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ مرتين، إنما فيه فرقتين أو فلقتين بالراء أو اللام، وكذا في حديث ابن عمر فلقتين‏.‏ وفي حديث جبير ابن مطعم فرقتين‏.‏ ثم ذكر الحافظ روايات عديدة وقع في بعضها‏:‏ انشق باثنتين‏.‏ وفي بعضها شقتين وفي بعضها قمرين‏.‏ ثم قال ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض لذلك أحد من شراح الصحيحين، وتكلم الحافظ ابن القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر‏.‏ ومن الثاني انشق القمر مرتين وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة، وقد قال العماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر ولعل قائلها أراد فرقتين‏.‏ قال الحافظ وهذا الذي لا يتجه غيره جمعاً بين الروايات انتهى ‏(‏يقول ذاهب‏)‏ يعني أن المراد بقوله مستمر ذاهب مار لا يبقى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي انشق فلقتين كما في الرواية المتقدمة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عمر قال‏:‏ انفلق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ تقدم هذا الحديث في باب انشقاق القمر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن كثير‏)‏ هو العبدي البصري ‏(‏أخبرنا سليمان بن كثير‏)‏ العبدي البصري ‏(‏عن حصين‏)‏ هو ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل‏)‏ وفي حديث عبد الله بن مسعود عند عبد الرزاق في مصنفه قال رأيت القمر منشقاً شقتين شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء قال الحافظ السويداء بالمهملة والتصغير ناحية خارج مكة عندها جبل ‏(‏سحرنا محمد‏)‏ أي جعلنا مسحورين ‏(‏فقال بعضهم لئن كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلهم‏)‏ وفي حديث عبد الله بن مسعود عند البيهقي فقال كفار قريش أهل مكة هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة أنظروا السفار فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق‏.‏ وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به، قال فسئل السفار قال وقدموا من كل وجهة فقالوا رأينا‏.‏ وحديث جبير بن مطعم هذا أخرجه أيضاً في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن جرير في تفسيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم‏)‏ مقبول من السادسة ‏(‏عن أبيه عن جده جبير بن مطعم نحوه‏)‏ رواه البيهقي بهذا الوجه في الدلائل كما في تفسير ابن كثير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر بندار‏)‏ أبو بكر هذا اسمه محمد بن بشار وبندار لقبه ‏(‏عن سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة قال جاء مشركو قريش إلخ‏)‏ تقدم هذا الحديث مع شرحه في أواخر أبواب القدر‏.‏

1860- باب ومن سورة الرحمَن

مكية أو إلا ‏{‏يسأله من في السماوات والأرض‏}‏ الاَية فمدنية وهي ست أو ثمان وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3412- حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ وَاقِدٍ أَبُو مُسْلِمٍ السّعْدِيّ أخبرنا الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عَن زُهَيْرِ بنِ مُحمّدٍ عَن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ ‏"‏خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرّحْمَنِ مِنْ أَوّلِهَا إلى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فقَالَ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنّ لَيْلَةَ الجِنّ فكَانُوا أحْسَنَ مَرْدُوداً مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ ‏{‏فَبِأَيّ آلاَءِ رَبّكُما تُكَذّبَانِ‏}‏ قَالُوا لاَ بِشَيءٍ مِنْ نَعمكَ رَبّنَا نُكَذّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُه إِلاّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بنِ مُسْلِمٍ عَن زُهَيْرِ بن مُحمدٍ‏.‏ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ كَأَنّ زُهَيْرَ بنَ مُحمّدٍ الّذِي وَقَعَ بالشّامِ لَيْسَ هُوَ الّذِي يُرْوَى عَنْهُ بالْعِرَاقِ‏.‏ كَأَنّهُ رَجُلٌ آخَرُ قَلَبُوا اسْمَهُ يَعْنِي لِمَا يَرْوُونَ عَنْهُ مِن المَنَاكِيرِ وَسَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ البخاري يَقُولُ أهْلُ الشّامِ يَرْووُنَ عَن زُهَيْرِ بنِ مُحمّدٍ مَنَاكِيرَ وَأَهْلُ العِرَاقِ يَرْوُونَ عَنْهُ أَحَادِيثَ مُقَاربَةً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم‏)‏ البغدادي ‏(‏أخبرنا الوليد ابن مسلم‏)‏ القرشي الدمشقي ‏(‏عن زهير بن محمد‏)‏ التميمي قوله‏:‏ ‏(‏فسكتوا‏)‏ أي الصحابة مستمعين ‏(‏ليلة الجن‏)‏ أي ليلة اجتماعهم به ‏"‏فكانوا‏"‏ أي الجن ‏"‏أحسن مردوداً‏"‏ أي أحسن رداً وجواباً لما تضمنه الاستفهام التقريري المتكرر فيها بأي ‏"‏منكم‏"‏ أيها الصحابة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ المردود بمعنى الرد كالمخلوق والمعقول نزل سكوتهم وإنصاتهم للاستماع منزلة حسن الرد فجاء بأفعل التفضيل، ويوضحه كلام ابن الملك حيث قال‏:‏ نزل سكوتهم من حيث اعترافهم بأن في الجن والإنس من هو مكذب بآلاء الله‏.‏ وكذلك في الجن من يعترف بذلك أيضاً لكن نفيهم التكذيب عن أنفسهم باللفظ أيضاً أدل على الإجابة وقبول ما جاء به الرسول من سكوت الصحابة أجمعين ذكره القاري ‏"‏كنت‏"‏ أي تلك الليلة ‏"‏كلما أتيت على قوله‏"‏ أي على قراءة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فبأي آلاء ربكما تكذبان‏}‏ الخطاب للإنس والجن أي بأي نعمة مما أنعم الله به عليكم تكذبون وتجحدون نعمه بترك شكره وتكذيب رسله وعصيان أمره ‏"‏لا بشيء‏"‏ متعلق بنكذب الاَتي ‏"‏ربنا‏"‏ بالنصب على حذف حرف النداء والباطنة ومن أتمها نعمة الإيمان والقرآن‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي والبزار ‏(‏قلبوا اسمه‏)‏ أي فجعلوا اسمه زهير بن محمد فالتبس بزهير بن محمد الذي يروي عنه أهل العراق ‏(‏يعني لما يروون عنه من المناكير‏)‏ أي إنما جعله أحمد رجلاً آخر لأن أهل الشام يروون عنه أحاديث مناكير‏.‏ قال في التقريب زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني سكن الشام ثم الحجاز رواية أهل الشام، عنه غير مستقيمة نضعف بسببها‏.‏ قال البخاري عن أحمد كان زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر‏.‏ وقال أبو حاتم حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه من السابعة ‏(‏وسمعت محمد بن إسماعيل يقول أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة‏)‏ أي أحاديث صحيحة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال البخاري ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روي عن أهل البصرة فصحيح‏.‏ قلت‏:‏ حديث جابر هذا رواه الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد وهو من أهل الشام ففي الحديث ضعف لكن له شاهداً من حديث ابن عمر أخرجه ابن جرير والبزار والدارقطني في الأفراد وغيرهم‏.‏ وصحح السيوطي إسناده كما في فتح البيان‏.‏

1861- باب ومن سورة الواقعة

مكية إلا ‏{‏أفبهذا الحديث‏}‏ الاَية و‏{‏ثلة من الأولين‏}‏ هي ست أو سبع أو تسع وتسعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3413- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ وَ عَبْدُ الرّحِيمِ بنُ سُلَيْمَانَ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ أخبرنا أَبُو سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَقُولُ الله أعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصّالِحينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر فاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُم‏:‏ ‏{‏فِلاِ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ وَفي الجَنّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرّاكِبُ في ظِلّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ‏{‏وَظِلٍ مَمْدُودٍ‏}‏ وَمَوْضِعُ سَوْطٍ في الجَنّةِ خَيْرٌ مِنَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا وَاقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ ‏{‏فَمَنْ زُحْزِحَ عَن النّارِ وَأُدْخِلَ الجَنّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الغُرُورِ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3414- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ في الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ في ظِلّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا لأإنْ شِئْتُمْ فاقرؤوا ‏{‏وَظِلَ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وفي البابِ عَن أبي سَعِيدٍ‏.‏

3415- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عَن عَمْرِو بنِ الحارِثِ عَن دَرّاجٍ عَن أَبي الهَيْثَمِ عَن أَبي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏"‏‏{‏وَفُرشٍ مَرْفُوعَةٍ‏}‏ قَالَ ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ والأرْضِ، وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمَائَةِ عَامٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ‏:‏ مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ‏:‏ ‏"‏وارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ‏"‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ارْتِفَاعُ الفُرُش المَرْفُوعَةِ في الدّرَجَاتِ، وَالدّرَجَاتُ مَا بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ‏"‏‏.‏

3416- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا الحُسَيْنُ بنُ مُحمّدٍ حدثنا اسْرَائِيلُ عَن عَبْدِ الأعْلَى عَن أَبي عَبْدِ الرّحْمَنِ عَن عَلِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنّكُمْ تُكَذّبُونَ‏}‏ قَالَ شُكْركُمْ تَقُولُونَ مُطِرْنَا بنَوْءِ كَذَا وَكذَا‏.‏ وبِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث إسرائيل‏.‏ ورَوَاه سُفْيَانُ الثوري عَن عَبْدِ الأعْلَى عن أبي عبد الرحمَن السلمي عن علي نحوه وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

3417- حدثنا أَبُو عَمّارٍ الحُسَيْنُ بن حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ المَرْوَزِيّ حدثنا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَن يَزِيدَ بنِ أَبَانٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ ‏"‏‏{‏إِنّا أنْشَأْنَاهُنّ إنْشَاءً‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنّ مِنَ المُنْشَآتِ التي كُنّ في الدّنْيَا عَجَائِزَ عُمْشاً رُمصاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بنِ عُبَيدَةَ، ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ ويَزِيدُ بنُ أَبَانٍ الرّقَاشِيّ يُضَعّفَانِ في الْحَدِيثِ‏.‏

3418- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا مُعاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ عنْ شَيْبَانَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابنِ عبّاسٍ قالَ قالَ أَبُو بَكْر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏يَا رَسُولَ الله قَدْ شِبْتَ‏.‏ قالَ‏:‏ شَيّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالمُرْسَلاَتُ و ‏{‏عَمّ يَتَسَاءَلُونَ‏}‏ و ‏{‏إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفهُ مِنْ حَدِيثٍ ابنِ عَبّاسٍ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَوى عَلِيّ بنُ صَالِحٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن أَبي جُحَيْفَةَ نَحْوَ هَذَا‏.‏ ورُوِي عَن أَبي إسْحَاقَ عَن أَبي مَيْسَرَةَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مرسلاً‏.‏ وروى أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث شيبان عن أبي إسحاق ولم يذكر فيه عن ابن عباس حدثنا بذلك هاشم بن الوليد الهروي، حدثنا أبو بكر بن عياش‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبدة بن سليمان‏)‏ الكلابي الكوفي ‏(‏وعبد الرحيم بن سليمان‏)‏ أبو علي الأشل ‏(‏عن محمد بن عمرو‏)‏ بن علقمة الليثي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يقول الله ‏{‏أعددت‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏جزاء بما كانوا يعملون‏}‏ تقدم شرحه في تفسير سورة السجدة ‏"‏وفي الجنة شجرة يسير الراكب إلخ‏"‏ تقدم شرحه في باب صفة شجرة الجنة ‏(‏وموضع سوط في الجنة إلخ‏)‏ تقدم شرحه في تفسير سورة آل عمران‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرج أحمد والشيخان بعضه‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏وماء مسكوب‏}‏ أي جار دائماً وقيل يسكب لهم أين شاء وكيف شاء بلا تعب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ أخرجه الترمذي في باب صفة شجر الجنة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ وفرش مرفوعة إلخ‏)‏ تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب صفة ثياب أهل الجنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم معنى هذا الحديث وارتفاعها كما بين السماء والأرض‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة وارتفاعها كما بين السماء والأرض بالواو، والظاهر أن يكون بغير الواو وهو بدل من هذا الحديث ‏(‏قال‏)‏ أي بعض أهل العلم ‏(‏ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات والدرجات بين كل درجتين كما بين السماء والأرض‏)‏ حاصله أن ارتفاع الفرش المفروشة في الدرجات وبعد ما بين كل درجتين منها كما بين السماء والأرض وقد نقل الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الواقعة حديث أبي سعيد المذكور عن جامع الترمذي ثم نقل كلامه هذا بلفظ فقال بعض أهل المعاني معنى هذا الحديث ‏"‏ارتفاع الفرش في الدرجات وبعد ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض‏"‏ انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسين بن محمد‏)‏ بن بهرام التميمي البغدادي ‏(‏عن عبد الأعلى‏)‏ بن عامر الثعلبي الكوفي ‏(‏عن أبي عبد الرحمن‏)‏ إسمه عبد الله بن حبيب السلمي‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‏}‏ أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب موضع الشكر أي وضعتم التكذيب موضع الشكر، وفي قراءة علي رضي الله عنه وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وتجعلون شكركم أنكم تكذبون‏"‏ أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به، وقيل نزلت في الأنواء ونسيتهم السقيا إليها والرزق المطر، أي وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم‏.‏ كذا في المدارك ‏"‏قال شكركم‏"‏ أي شكر ما رزقكم من المطر ‏"‏تقولون مطرنا‏"‏ بصيغة المجهول ‏"‏بنوء كذا وكذا‏"‏ بفتح النون وسكون الواو ‏"‏وبنجم كذا وكذا‏"‏ وذلك أنهم كانوا إذا مطروا يقولون مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك المطر من فضل الله عليهم فقيل لهم‏:‏ أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقكم التكذيب، فمن نسب الإنزال إلى النجم فقد كذب برزق الله تعالى ونعمه وكذب بما جاء به القرآن، والمعنى أتجعلون بدل الشكر التكذيب‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال ابن الصلاح‏:‏ النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءاً أي سقط وغاب‏.‏ وقيل نهض وطلع وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما‏.‏ وقال الأصمعي إلى الطالع منهما‏.‏ قال أبو عبيد ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع‏.‏ ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوء تسمية للفاعل بالمصدر‏.‏ قال أبو إسحاق الزجاج في بعض أماليه‏:‏ الساقطة في المغرب هي الأنواء والطالعة في المشرق هي البوارح انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد بن أبي حاتم وابن جرير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا وكيع‏)‏ هو ابن الجراح ‏(‏عن موسى بن عبيدة‏)‏ الربذي ‏(‏عن يزيد بن أبان‏)‏ هو الرقاشي‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏إنا أنشأناهن إنشاء‏}‏ قيل هن الحور العين أنشأهن الله لم تقع عليهن الولادة ولم يسبقن بخلق وأنهن لسن من نسل آدم عليه السلام بل مخترعات وهو ما جرى عليه أبو عبيدة وغيره، وقيل المراد نساء بني آدم والمعنى‏:‏ أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب والنساء وإن لم يتقدم لهن ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين فتلخص أن نساء الدنيا يخلقهن الله في القيامة خلقاً جديداً من غير توسط ولادة خلقاً يناسب البقاء والدوام‏.‏ وذلك يستلزم كمال الخلق وتوفر القوى الجسمية وانتفاء صفات النقص كما أنه خلق الحور العين على ذلك الوجه‏.‏ وإما على قول قال إن الفرش المرفوعة كناية عن النساء فمرجع الضمير ظاهر ‏"‏إن من المنشأت‏"‏ جمع منشأة إسم مفعول من الإنشاء ‏"‏التي‏"‏ أي نساء الدنيا اللائي ‏"‏كن في الدنيا عجائز‏"‏ جمع عجوز وهي المرأة الكبيرة ‏"‏عمشا‏"‏ بضم فسكون جمع عمشاء من العمش في العين محركة وهو ضعف الرؤية مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها من باب طرب فهو أعمش والمرأة عمشاء ‏"‏رمصاً‏"‏ جمع رمصاء من الرمص محركة وهو وسخ أبيض يجتمع في الموق رمصت عينه كفرح والنعت أرمص ورمصاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والبيهقي وعبد بن حميد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن النحوي ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي كما صرح به البيجوري في شرح الشمائل ص 83‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قد شبت‏)‏ من الشيب وهو بياض الشعر‏.‏ قال القاري‏:‏ أي ظهر عليك آثار الضعف قبل أوان الكبر وليس المراد منه ظهور كثرة الشعر الأبيض عليه لما روى الترمذي عن أنس قال ما عددت في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء ‏"‏شيبتني‏"‏ من التشييب‏.‏ وذلك لما في هذه السور من أهوال يوم القيامة‏.‏ والمثلات النوازل بالأمم الماضية أخذ مني مأخذه حتى شبت قبل أوانه قاله الطيبي‏:‏ ‏"‏هود‏"‏ أي سورة هود ‏"‏والمرسلات‏"‏ بالرفع ويجوز كسرها على الحكاية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الطبراني والحاكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وروى علي بن صالح‏)‏ بن صالح بن حي الهمداني ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن أبي جحيفة نحو هذا‏)‏ أخرج الترمذي حديث أبي جحيفة هذا في الشمائل وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها السيوطي في الجامع الصغير‏.‏

1862- باب ومن سورة الحديد

مكية أو مدنية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3419- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ- قالُوا، أخبرنا يُونُسُ بنُ مُحمدٍ أخبرنا شَيْبَانُ بنُ عَبْدِ الرّحمنِ عَن قَتَادَةَ حدثنا الحَسَنُ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَمَا نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَأَصْحَابُهُ إذْ أتَى عَلَيْهِمْ سَحَابٌ فقَالَ نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا‏؟‏ فقالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قالَ‏:‏ هَذَا العَنَانُ هَذِهِ زَوَايَا الأرْضِ يَسُوقُهُ الله تبارك وتعالى إلى قَوْمٍ لاَ يَشْكُرُونَهُ وَلاَ يَدْعُونَهُ، ثُمّ قَالَ‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَكُمْ‏؟‏ قالُوا الله وَرَسُولُه أَعْلَمُ، قَالَ‏:‏ فإِنّهَا الرّقِيعُ سَقْفٌ مَحفُوظٌ وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ‏.‏ ثُمّ قالَ‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها‏؟‏ قَالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ‏:‏ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا مَسْيَرَةُ خَمْسُمَائَةِ سَنَةٍ‏.‏ ثُمّ قالَ‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذَلِكَ‏؟‏ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قالَ فإِنّ فَوْقَ ذَلِكَ سَمَاءَيْنِ كمَا بَيْنَهُمَا مَسِيَرَةُ خَمْسُمَائَةِ سَنَةٍ حَتّى عَدّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ مَا بَيْنَ كُلّ سَمَاءَيْنِ ما بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ، ثُمّ قالَ‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ‏؟‏ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قالَ‏:‏ فإِنّ فَوْقَ ذَلِكَ العَرْشَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السّمَاءِ بُعْدُ مثلِ مَا بَيْنَ السّمَاءَيْنِ ثُمّ قالَ‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ مَا الّذِي تَحْتَكُمْ‏؟‏ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قالَ‏:‏ فإِنّهَا الأرْضُ‏.‏ ثُمّ قالَ‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ مَا الّذي تَحْتَ ذَلِكَ‏؟‏ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قالَ فإِنّ تَحْتَهَا أَرْضاً أُخْرَى بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسُسَمائَةِ سَنَة حَتّى عَدّ سَبْعَ أَرَضَيْنَ بَيْنَ كُلّ أرْضيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسُمَائَةٍ سَنَةِ، ثُمّ قالَ‏:‏ وَالّذِي نَفْسُ مُحمّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنّكُمْ دَلّيْتُمْ رجلاً بِحَبْلٍ إلى الأرْضِ السّفْلَى لَهَبَطَ عَلَى الله‏.‏ ثُمّ قَرأَ ‏{‏هُوَ الأوّلُ والاَخِرُ والظّاهِرُ والبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، قال‏:‏ ويُرْوَى عَن أيّوبَ ويُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ وَعَلِيّ بنِ زَيْدٍ قالُوا لَمْ يَسْمَعْ الحَسَنُ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَفَسّرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فقَالُوا إنّمَا هَبَطَ عَلَى عِلْمِ الله وقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَعِلْمُ الله وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ في كُلّ مَكَانٍ وَهُوَ عَلَى العَرْشِ كَمَا وَصَفَ في كِتَابِهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يونس بن محمد‏)‏ بن مسلم المؤدب ‏(‏حدثنا شيبان بن عبد الرحمن‏)‏ النحوي ‏(‏حدثنا الحسن‏)‏ هو البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأصحابه‏)‏ أي معه جلوس ‏(‏إذ أتى‏)‏ أي مر ‏"‏هذا العنان‏"‏ كسحاب مبني ومعنى من عن أي ظهر ‏"‏هذه‏"‏ أي السحابة فالتعبير بالتأنيث للوحدة وبالتذكير للجنس باب التفنن‏.‏ قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أن التعبير بالتأنيث لتأنيث الخبر ‏"‏روايا الأرض‏"‏ جمع راوية‏.‏ قال في النهاية الروايا من الإبل الحوامل للماء واحدتها راوية فشبهها بها ‏"‏يسوقه الله‏"‏ أي السحاب ‏"‏إلى قوم لا يشكرونه‏"‏ أي بل يكفرونه ‏"‏ولا يدعونه‏"‏ أي لا يعبدونه بل يعبدون غيره، وذلك لأن الله تعالى يرزق كل بر وفاجر ‏"‏فإنها الرقيع‏"‏ هو إسم لسماء الدنيا وقيل لكل سماء والجمع أرقعة ‏"‏وموج مكفوف‏"‏ أي ممنوع من الاسترسال حفظها الله أن يقع على الأرض وهي معلقة بلا عمد كالموج المكفوف ‏"‏قال بينكم وبينها خمسمائة سنة‏"‏ أي مسيرتها ومسافتها ‏"‏هل تدرون ما فوق ذلك‏"‏ أي المحسوس أو المذكور من سماء الدنيا ‏"‏ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض‏"‏ أي كما بينهما من خمسمائة عام ‏"‏فإن فوق ذلك‏"‏ خبر مقدم لإن ‏"‏العرش‏"‏ بالنصب على أنه إسم مؤخر لإن ‏"‏وبينه وبين السماء‏"‏ أي بين العرش وبين السماء السابعة ‏"‏بعد ما بين السماءين‏"‏ أي من السماوات السبع ‏"‏قال فإنها الأرض‏"‏ أي العليا ‏"‏بين كل أرضين‏"‏ بالتثنية أي بين كل أرضين منها ‏"‏لو أنكم دليتم‏"‏ بتشديد اللام المفتوحة من أدليت الدلو إذا أرسلتها البئر أي لو أرسلتم ‏"‏لهبط‏"‏ بفتح الموحدة أي لنزل ‏"‏على الله‏"‏ أي على علمه وملكه كما صرح به الترمذي في كلامه الاَتي ‏{‏هو الأول‏}‏ أي قبل كل شيء بلا بداية ‏{‏والاَخر‏}‏ أي بعد كل شيء بلا نهاية ‏{‏والظاهر‏}‏ أي بالأدلة عليه ‏{‏والباطن‏}‏ أي عن إدراك الحواس ‏{‏وهو بكل شيء عليم‏}‏ أي بالغ في كمال العلم به محيط علمه بجوانبه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن أبي حاتم والبزار‏.‏ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره‏:‏ ورواه ابن جرير عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة‏{‏هو الأول والاَخر والظاهر والباطن‏}‏ ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ مر عليهم سحاب فقال هل تدرون ما هذا وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء إلا أنه مرسل من هذا الوجه‏.‏ ولعل هذا هو المحفوظ انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ويروي عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد الخ‏)‏ قد صرح كثير من أئمة الحديث بأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة كما في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم ‏(‏فقالوا إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أما علمه تعالى فهو في قوله‏:‏ ‏{‏وهو بكل شيء عليم‏}‏ وأما قدرته فمن قوله‏:‏ ‏{‏هو الأول والاَخر‏}‏ أي هو الأول الذي يبدئ كل شيء ويخرجهم من العدم إلى الوجود‏.‏ والاَخر الذي يفنى كل شيء كل من عليها فإن‏{‏ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏}‏ وأما سلطانه فمن قوله‏:‏ ‏{‏والظاهر والباطن‏}‏ قال الأزهري يقال ظهرت على فلان إذا غلبته‏.‏ والمعنى هو الغالب الذي يغلب ولا يغلب ويتصرف في المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء أو ليس فوقه أحد يمنعه، والباطن هو الذي لا ملجأ ولا منجا دونه‏.‏ كذا في المرقاة ‏(‏وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان‏)‏ أي يستوي فيه العلويات والسفليات وما بينهما ‏(‏وهو على العرش كما وصف في كتابه‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الكاف في كما منصوب على المصدر أي هو مستو على العرش استواء مثل ما وصف نفسه به في كتابه وهو مستأثر بعلمه باستوائه عليه‏.‏ وفي قول الترمذي إشعار إلى أنه لا بد لقوله لهبط على الله من هذا التأويل المذكور، ولقوله‏:‏ ‏{‏على العرش استوى‏}‏ من تفويض علمه إليه تعالى والإمساك عن تأويله‏.‏

1863- باب ومن سورة المجادلة

مدنية وهي اثنتان وعشرون آية

3420- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ والْحَسَنُ بنُ عَلِي الْحُلْوَانِيّ- المَعْنَى وَاحِدٌ- قَالاَ أخبرنا‏:‏ يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ إسْحَاقَ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عَن سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ الأنْصَارِيّ قَالَ ‏"‏كُنْتُ رَجُلاً قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي، فَلَمّا دَخَلَ رَمَضَانُ تَظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي حَتّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ فَرَقاً مِنْ أَنْ أُصِيبَ مِنْهَا في لَيْلَتي فأَتَتَابَعُ في ذَلِكَ إلى أَنْ يُدْرِكَنِي النّهَارُ وَأَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِعَ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَخْدِمُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ تَكَشّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا فَلَمّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي فأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي فَقُلْتُ انْطَلِقُوا مَعِي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأُخْبِرُهُ بِأَمْرِي، فقَالُوا لا وَالله لا تَفْعَلْ نَتَخَوّفُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا، ولَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ فاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، قالَ فخَرَجْتَ فأَتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فقَالَ‏:‏ أَنْتَ بِذَاكَ‏؟‏ قُلْتُ أَنَا بِذَاكَ، قالَ‏:‏ أَنْتَ بِذَاكَ‏؟‏ قُلْتُ أَنَا بِذَاكَ، قالَ‏:‏ أَنْتَ بِذَاكَ‏؟‏ قُلْتُ أَنَا بِذَاكَ وَهَا أَنَذَا فأَمْضِ فيّ حُكْمَ الله فإنّي صَابِرٌ لِذَلِكَ، قالَ‏:‏ اعْتِقْ رَقَبةً‏.‏ قالَ فضَرَبْتُ صَفْحَةَ عُنُقِي بِيَدَيّ، فَقُلتُ لا والّذِي بَعَثَكُ بالْحَقّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ غَيْرَها، قالَ‏:‏ فَصُمْ شَهْرَيْنِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ الله وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إلاّ في الصّيَامِ، قَالَ‏:‏ فاطْعِمْ سِتّينَ مِسْكِيناً، قُلْتُ والّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ وَحْشَى مَا لَنَا عَشَاءٌ‏.‏ قالَ‏:‏ اذْهَبْ إِلَى صاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ فاطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وَسْقاً سِتّينَ مِسْكِيناً ثُمّ اسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وعَلَى عِيَالِكَ، قالَ فَرَجَعْتُ إلى قَوْمِي فَقُلْتُ وَجَدْتُ عِنْدَكُمْ الضّيقَ وَسُوءَ الرّأْيِ وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهصلى الله عليه وسلم السّعَةَ وَالبَرَكَةَ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ فادْفَعُوهَا إِليّ، فَدَفَعُوهَا إِليّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏ قالَ مُحمّدٌ‏:‏ سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدِي مِنْ سَلَمَة بنِ صَخْرٍ‏.‏ قالَ ويُقَالُ سَلَمَةَ بنُ صَخْرٍ وَيُقالُ سَلْمَانُ بنُ صخْرٍ‏.‏ وفي البابِ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَهِي امْرَأَةُ أَوْسِ بنِ الصّامِتِ‏.‏

3421- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ حدثنا يَحْيَىَ بنُ آدَمَ حدثنا عُبَيْدُ الله الأشْجَعِيّ عَن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَن عُثْمانَ بنِ المُغِيرَةِ الثّقَفِيّ عَن سَالِمِ بنِ أَبي الْجَعْدِ عَن عَلِيّ بنِ عَلْقَمَةَ الأنْمَارِيّ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَتْ ‏{‏يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً‏}‏ قالَ لِي النبيّ صلى الله عليه وسلم مَا تَرَى‏؟‏ دِينَارٌ قُلْتُ لا يُطِيقُونَهُ، قالَ‏:‏ فَنِصْفُ دِينارٍ‏؟‏ قُلْتُ لا يُطِيقُونَهُ، قالَ‏:‏ فَكَمْ‏؟‏ قُلْتُ شَعِيرةً، قالَ‏:‏ إِنّكَ لَزَهِيدٌ، قالَ فنزَلتْ ‏{‏أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَاتٍ‏}‏ الاَية‏.‏ قالَ فَبِي خَفّفَ الله عَن هَذِهِ الامّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ شَعِيرَةً يَعْنِي وَزْنَ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وأبو الجعد اسمه رافع‏.‏

3422- حدثنا عبدُ بن حُمَيْدٍ أخبرنا يُونُسُ عَنْ شَيْبَانَ عَن قتَادَةَ حدثنا أَنَسُ بنُ مَالِكٍ ‏"‏أَنّ يَهُودِيّا أَتَى عَلَى النَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم وأَصْحَابِهِ فقالَ السّامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدّ عَلَيْهِ القَوْمُ، فقال نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم هَلْ تَدْرُونَ ما قالَ هذا‏؟‏ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ سَلّمَ يَا نَبيّ الله‏.‏ قالَ‏:‏ لاَ وَلَكِنّهُ قالَ كَذَا وَكَذَا رُدّوهُ عَلَيّ، فَرَدّوهُ فقالَ قُلْتَ السّامُ عَلَيْكُمْ‏؟‏ قالَ نَعَمْ‏.‏ قالَ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ‏:‏ إِذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ فَقُولُوا عَلَيْكَ قال‏:‏ عَلَيْكَ مَا قُلْتَ، قالَ ‏{‏وإذَا جَاؤوكَ حَيّوْكَ بِما لَمْ يُحَيّكَ بِهِ الله‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن إسحاق‏)‏ هو صاحب المغازي ‏(‏عن محمد بن عمرو ابن عطاء‏)‏ القرشي العامري المدني ثقة من الثالثة ‏(‏عن سلمة بن صخر الأنصاري‏)‏ الخزرجي البياضي ويقال له سلمان صحابي ظاهر من امرأته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تظاهرت من امرأتي‏)‏ وفي رواية أبي داود وابن ماجة ظاهرت منها، وفي رواية الترمذي في باب كفارة الظهار جعل امرأته عليه كظهر أمه ‏(‏حتى ينسلخ رمضان‏)‏ أي حتى يمضي، وفيه دليل على أن الظهار المؤقت ظهار كالمطلق منه‏.‏ وهو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة، واختلفوا فيه إذا بر ولم يحنث فقال مالك وابن أبي ليلى إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إلى الليل لزمته الكفارة وإن لم يقربها، وقال أكثر أهل العلم لا شيء عليه إذا لم يقربها، وللشافعي في الظهار المؤقت قولان‏:‏ أحدهما أنه ليس بظهار‏.‏ قاله الخطابي في العالم ‏(‏فرقاً‏)‏ بفتحتين أي خوفاً ‏(‏فأتتابع في ذلك‏)‏ بصيغة المضارع المتكلم أي أتوالي من التتابع وهو التوالي ‏(‏إذ تكشف‏)‏ أي إنشكف ‏(‏فوثبت عليها‏)‏ من الوثوب وهو النهوض والقيام والطفر، وفي رواية أبي دواد فلم ألبث أن نزوت عليها ‏(‏غدوت على قومي‏)‏ أي خرجت إليهم وأتيتهم بالغداة ‏(‏فأخبره بأمري‏)‏ أي بما جرى بي ‏(‏لا نفعل‏)‏ أي لا ننطلق معك ‏(‏نتخوف‏)‏ أي نخاف ‏(‏ما بدا لك‏)‏ أي ما ظهر لك ‏"‏فقال أنت بذاك‏"‏ أي أنت الملم بذلك أو أنت المرتكب له كذا في المعالم ‏(‏ها‏)‏ كلمة تنبيه ‏(‏أنا ذا‏)‏ أي أنا هذا موجود ‏(‏فامض في‏)‏ بتشديد الياء أي أجر عليّ ‏(‏فضربت صفحة عنقي‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الصفح الجانب ومنك جنبك ومن الوجه والسيف عرضه ‏(‏لقد بتنا ليلتنا هذه وحشي‏)‏ قال في القاموس بات وحشاً أي جائعاً وهم أوحاش‏.‏ وقال الجزري في النهاية يقال رجل وحش بالسكون من قوم أوحاش إذا كان جائعاً لا طعام له، وقد أوحش إذا جاع‏.‏ قال وفي رواية الترمذي لقد بتنا ليلتنا هذه وحشي‏.‏ كأنه أراد جماعة وحشي انتهى ‏(‏ما لنا عشاء‏)‏ بفتح العين أي طعام العشي ‏"‏إلى صاحب صدقة بني زريق‏"‏ بتقديم الزاي على الراء مصغراً ‏"‏فاطعم عنك منها وسقا‏"‏ أي من تمر كما في رواية أبي داود ‏"‏ثم استعن بسائره‏"‏ أي بباقيه، وفي رواية أبي داود‏:‏ ‏"‏وكل أنت وعيالك بقيتها‏"‏‏.‏ وقل‏:‏ أخذ بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فاطعم عنك منها وسقا ستين مسكيناً‏"‏ الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فقالوا‏:‏ الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ إن الواجب لكل مسكين مد‏.‏ وتمسك بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعاً‏.‏ قلت‏:‏ ما تمسك به الشافعي ومن وافقه أصح سنداً لأن رواية الترمذي في باب كفارة الظهار التي وقع فيها‏:‏ اعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعاً أو ستة عشر صاعاً‏.‏ أصح من هذه الرواية التي فيها‏:‏ فاطعم عنك منها وسقا ستين مسكيناً‏.‏ وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم، وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه، وذهب قوم إلى السقوط، وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات كذا في النيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم‏.‏ هذا حديث منقطع وفي سنده محمد بن إسحاق ورواه عن محمد بن عمرو بالعنعنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن خولة بنت ثعلبة‏)‏ أخرج حديثها أبو داود‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يونس‏)‏ بن محمد بن مسلم المؤدب ‏(‏عن شيبان‏)‏ بن عبد الرحمن النحوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأصحابه‏)‏ بالجر ‏(‏السام عليكم‏)‏ أي لم يقل السلام عليكم بل قال السام عليكم والسام الموت ‏(‏فرد عليه‏)‏ أي على اليهودي ‏(‏القوم‏)‏ أي الصحابة ظانين أن اليهودي قال السلام عليكم ‏"‏ما قال هذا‏"‏ أي هذا اليهودي ‏(‏سلم‏)‏ أي قال السلام عليكم ‏"‏ولكنه قال كذا وكذا‏"‏ أي قال السام عليكم ‏"‏ردوه علي‏"‏ أي ارجعوا اليهودي إلي ‏(‏قلت السام عليكم‏)‏ بحذف حرف الاستفهام ‏"‏فقولوا‏"‏ أي في الرد عليه ‏"‏قال‏"‏ أي قرأ ‏{‏وإذا جاءوك‏}‏ أي اليهود ‏{‏حيوك‏}‏ أيها النبي ‏{‏بما لم يحيك به الله‏}‏ وهو قولهم السام عليكم‏.‏ قال القرطبي المراد بها اليهود كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون السام عليك يريدون بذلك السلام ظاهراً وهم يعنون الموت باطناً فيقول النبي صلى الله عليه وسلم عليكم، وفي رواية وعليكم‏.‏ قال ابن عمر في الاَية يريدون بذلك شتمه فنزلت هذه الاَية انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن علقمة الأنماري‏)‏ بفتح الهمزة وسكون النون الكوفي مقبول من الثالثة كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ روى عن علي وابن مسعود وعنه سالم بن الجعد‏.‏ قال ابن المديني لم يرو عنه غيره، وقال البخاري في حديثه نظر، وذكره ابن حبان في الثقات له عند الترمذي حديث واحد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا ناجيتم الرسول‏}‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقال ابن عدى ما أرى بحديثه بأساً وليس له عن علي غيره إلا اليسير، وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء تبعاً للبخاري على العادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة‏}‏ أي إذا أردتم مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا أمام ذلك صدقة، وفائدة ذلك إعظام مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الإنسان إذا وجد الشيء بمشقة استعظمه وإن وجده بسهولة استحقره ونفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة قبل المناجاة‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ إن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثروا حتى شق عليه فأراد الله تعالى أن يخفف على نبيه صلى الله عليه وسلم ويثبطهم عن ذلك فأمرهم أن يقدموا صدقة على مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل نزلت في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فلما أمروا بالصدقة كفوا عن مناجاته، فأما الفقراء وأهل العسرة فلم يجدوا شيئاً وأما الأغنياء وأهل الميسرة فضنوا‏.‏ واشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الرخصة وبعده ‏{‏ذلك خير لكم‏}‏ يعني تقديم الصدقة على المناجاة لما فيه من طاعة الله وطاعة رسوله ‏{‏وأطهر‏}‏ أي لذنوبكم ‏{‏فإن لم تجدوا‏}‏ يعني الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به ‏{‏فإن الله غفور‏}‏ أي لمناجاتكم ‏{‏رحيم‏}‏ أي بكم فلا عليكم في المناجاة من غير صدقة ‏(‏ما ترى‏)‏ أي في مقدار الصدقة التي تقدم بين يدي النجوى ‏(‏دينار‏)‏ أي هل يقدم قبل النجوى دينار ‏(‏قلت شعيرة‏)‏ أي تقدم قبل النجوى شعيرة والمراد بها هنا وزن شعيرة من ذهب كما فسرها الترمذي به ‏(‏إنك‏)‏ أي يا علي ‏(‏لزهيد‏)‏ أي قليل المال قدرت على حالك ‏(‏قال‏)‏ أي علي ‏(‏فنزلت ‏{‏أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات‏}‏‏)‏ أي أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من الإنفاق الذي تكرهونه، وقيل أي أخفتم الفقر والعيلة لأن تقدموا ذلك، والإشفاق الخوف من المكروه والاستفهام للتقرير ‏(‏الاَية‏)‏ بالنصب أي أتم الاَية وبقيتها مع تفسيرها هكذا ‏{‏فإذا لم تفعلوا‏}‏ أي ما أمرتم به من تقديم الصدقة ‏{‏وتاب الله عليكم‏}‏ أي تجاوز عنكم ونسخ الصدقة ‏{‏فأقيموا الصلاة‏}‏ أي المفروضة ‏{‏وآتوا الزكاة‏}‏ أي الواجبة وأطيعوا الله ورسوله أي فيما أمر ونهى ‏{‏والله خبير بما تعملون‏}‏ أي أنه محيط بأعمالكم ونيانكم ‏(‏قال‏)‏ أي علي ‏(‏فبي‏)‏ أي بسببي ولأجلي، قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ في سنده سفيان بن وكيع وهو صدوق إلا أنه ابتلى بوراقة فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه، وفيه أيضاً علي بن علقمة الأنماري وهو متكلم فيه‏.‏ وقال البخاري فيه نظر، والحديث أخرجه أيضاً أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر‏.‏ وأخرج ابن جرير بسنده عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏فقدموا بين يدي نجواكم صدقة‏}‏ قال نهواً عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قدم ديناراً فتصدق به ثم أنزلت الرخصة في ذلك، وأخرج أيضاً عن ليث عن مجاهد قال قال علي رضي الله عنه‏:‏ إن في كتاب الله عز وجل الاَية ما عمل بها بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة‏}‏ قال فرضت ثم نسخت وهاتان الروايتان منقطعتان لأن مجاهداً لم يسمع من علي‏.‏